سورة الإسراء - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
يقول تعالى منذرًا كفار قريش في تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه قد أهلك أممًا من المكذبين للرسل من بعد نوح، ودل هذا على أن القرون التي كانت بين آدم ونوح على الإسلام، كما قاله ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
ومعناه: أنكم أيها المكذبون لستم أكرم على الله منهم، وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلائق، فعقوبتكم أولى وأحرى.
وقوله تعالى {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} أي: هو عالم بجميع أعمالهم، خيرها وشرها، لا يخفى عليه منها خافية سبحانه وتعالى.


{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}.
يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما يشاء.
وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات فإنه قال: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا} أي: في الآخرة {يَصْلاهَا} أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه {مَذْمُومًا} أي: في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه إذ اختار الفاني على الباقي {مَدْحُورًا}: مبعدًا مقصيًا حقيرًا ذليلا مهانًا.
قال الإمام أحمد: حدثنا حسين، حدثنا ذويد، عن أبي إسحاق، عن زُرْعَة، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له».
وقوله: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ} أي: أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} أي: طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي: وقلبه مؤمن، أي: مصدق بالثواب والجزاء {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}


{كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا (21)}
يقول تعالى: {كُلا} أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة، نمدهم فيما هم فيه {مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} أي: هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور، فيعطي كلا ما يستحقه من الشقاوة والسعادة ولا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى، ولا مغير لما أراد؛ ولهذا قال: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} أي: ممنوعا، أي: لا يمنعه أحد ولا يرده راد.
قال قتادة: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} أي: منقوصًا.
وقال الحسن وابن جريج وابن زيد: ممنوعًا.
ثم قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيرًا، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا، وبين ذلك {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} أي: ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا؛ فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العُلَى ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين: «إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين، كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء»؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8